سورة الحجر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}
{سَلاَماً} أي نسلم عليك سلاماً، أو سلمت سلاماً {وَجِلُونَ} خائفون، وكان خوفه لامتناعهم من الأكل. وقيل: لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت.
وقرأ الحسن: {لا توجل} بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه. وقرئ: {لا تأجل}. {ولا تواجل}، من واجله بمعنى أوجله. وقرئ: {نبشرك} بفتح النون والتخفيف {إِنَّا نُبَشّرُكَ} استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل: أرادوا أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل. يعني {أَبَشَّرْتُمُونِى} مع مس الكبر، بأن يولد لي. أي: أن الولادة أمر عجيب مستنكر في العادة مع الكبر {فَبِمَ تُبَشّرُونَ} هي ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب، كأنه قال: فبأي أعجوبة تبشرونني أو أراد أنكم تبشرونني بما هو غير مقصور في العادة فبأي شيء تبشرون يعني لا تبشرونني في الحقيقة بشيء؛ لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء. ويجوز أن لا يكون صلة لبشر، ويكون سؤالاً عن الوجه والطريقة يعني: بأي طريقة تبشرونني بالولد، والبشارة لا طريقة لها في العادة. وقوله {بشرناك بالحق} يحتمل أن تكون الباء فيه صلة، أي: بشرناك باليقين الذي لا لبس فيه، أو بشرناك بطريقة هي حق وهي قول الله ووعده، وأنه قادر على أن يوجد ولداً من غير أبوين، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وقرئ: {تبشرونَ}، بفتح النون وبكسرها على حذف نون الجمع، والأصل تبشرونن، {وتبشرونِّ} بإدغام نون الجمع في نون العماد. وقرئ: {من القنطين} من قنط يقنط، وقرئ: و {من يقنط}، بالحركات الثلاث في النون، أراد: ومن يقنط من رحمة ربه إلا المخطئون طريق الصواب، أو إلا الكافرون، كقوله: {لا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} [يوسف: 87] يعني: لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته، ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها الله.


{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
فإن قلت قوله تعالى: {إِلا ءالَ لُوطٍ} استثناء متصل أو منقطع؟ قلت، لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعاً؛ لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلاً، كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} [الذاريات: 36].
فإن قلت: فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟ قلت: نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً. ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرميّ. في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل: إنا أهلكنا قوماً مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم. وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصاً بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل.
فإن قلت: فقوله {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} بم يتعلق على الوجهين؟ قلت: إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر (لكنّ) في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط، فقالوا: إنا لمنجوهم.
فإن قلت: فقوله: {إِلاَّ امرأته} ممّ استثني؛ وهل هو استثناء من استثناء؟ قلت: استثنى من الضمير المجرور في قوله {لَمُنَجُّوهُمْ} وليس من الاستثاء في شيء؛ لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال: أهلكناهم إلا آل لوط، إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق: أنت طالق ثلاثاً، إلا اثنتين، إلا واحدة. وفي قول المقرّ: لفلان عليّ عشرة دراهم، إلا ثلاثة، إلا درهما. فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان، لأنّ {إِلا ءالَ لُوطٍ} متعلق بأرسلنا، أو بمجرمين، و{إِلاَّ امرأته} قد تعلق بمنجوهم، فأنى يكون استثناء من استثناء. وقرئ: {لمنجوهم} بالتخفيف والتثقيل.
فإن قلت: لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} والتعليق من خصائص أفعال القلوب؟ قلت: لتضمن فعل التقدير معنى العلم، ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم.
فإن قلت: فلم أسند الملائكة فعل التقدير- وهو لله وحده- إلى أنفسهم، ولم يقولوا: قدّر الله؟ قلت: لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم، كما يقول خاصة الملك: دبرنا كذا وأمرنا بكذا، والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه. وقرئ: {قدرنا}، بالتخفيف.


{فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
{مُنكِرُونَ} أي تنكركم نفسي وتنفر منكم، فأخاف أن تطرقوني بشرّ، بدليل قوله: {بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوّك، وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله، فيمترون فيه ويكذبونك {بالحق} باليقين من عذابهم {وِإِنَّا لصادقون} في الإخبار بنزوله بهم. وقرئ: {فأسر} بقطع الهمزة ووصلها، من أسرى وسرى. وروى صاحب الإقليد: فسر، من السير والقطع في آخر الليل. قال:
افْتَحِى الْبَابَ وانْظُرِي في النُّجُوم *** كَمْ عَلَيْنَا من قِطعِ لَيْلٍ بَهِيم
وقيل: هو بعد ما يمضي شيء صالح من الليل.
فإن قلت: ما معنى أمره باتباع أدبارهم ونهيهم عن الالتفات؟ قلت قد بعث الله الهلاك على قومه، ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجراً فلم يكن له بدّ من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم، فلا تفرط منهم التفاتة احتشاماً منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدّم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم، ويمضوا قدماً غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوي إليه أخادعه، كما قال:
تَلَفَّتُّ نَحْوَ حَييِّ حتى وَجَدتُنِي *** وَجِعْتُ مِنَ الإِصْغَاءِ لِيتاً وَأَخْدَعَا
أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأنّ من يلتفت لابد له في ذلك من أدنى وقفة {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قيل هو مصر وعدي {وامضوا} الى {حيث} تعديته الى الظرف المبهم لأن {حَيْثُ} مبهم في الأمكنة، وكذلك الضمير في {تَأْمُرُونَ} وعدي {قَضَيْنَا} بإلى لأنه ضمن معنى: أوحينا، كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً. وفسر {ذَلِكَ الأمر} بقوله {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له.
وقرأ الأعمش: (إن)، بالكسر على الاستئناف كأن قائلاً قال: أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال: إنّ دابر هؤلاء. وفي قراءة ابن مسعود: {وقلنا إنّ دابر هؤلاء}. ودابرهم: آخرهم، يعني: يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10